الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد
فإن الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة من محاسن هذا الدين وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال ( وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي وقال الله عز وجل ( وقولوا للناس حسنا ).
إن الأخلاق الحسنة هو أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها ، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق .
إذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس وحفظت الحقوق وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع وقلت الرذيلة وزادت الفضيلة وقويت شوكة الإسلام ، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والظلم والغش فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها وانقلبت الموازين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) رواه أحمد.
والمتأمل في أحوال أمة الإسلام يلحظا ضعفا شديدا في الجانب الأخلاقي وتظهر هذه الأزمة الأخلاقية في المبادين الآتية:
(1) محيط الأسرة: فالأولاد إلا ما شاء الله لا يحترمون أباهم ولا يقدرون أمهم وكثيرا ما يعصون أوامرهما ويصدر منهم العقوق من عدم الإستجابة لهما أو التأفف والتثاقل في ذلك وعدم خدمتهما في المنزل ، والولد يرى أباه أحوج ما يكون لأمر ما فيتخلى عنه ولا يقضي حاجته ، ومن المؤسف أن كثيرا من الأولاد سلبي يتنصل عن المسؤلية دائما لا يهمه إلا اللهو وقضاء شهواته من مطعم جيد وملبس حسن وسيارة وكماليات ، وأبر ألأولاد في هذا الزمان من يخدم أبويه إذا رجى منهما حصول مصلحة وتحقيق مطالبه كأنه يعاوض والديه والله المستعان ، وكذلك كثير من الفتيات هداهن الله لا يشاركن أمهاتهن في أعمال المنزل ويتثاقلن في برهن ويقضين الساعات الطويلة في مالا فائدة فيه .
(2) التعليم: من الملاحظ جفاء كثير من الطلاب للمعلمين وقلة إحترامهم حتى ذهبت هيبة المعلم لدى طلابه فالطالب يدخل الفصل بلا استئذان ويتحدث أثناء الدرس ويشاغب ويرفع صوته على المعلم ولا يكترث به بل ربما بلغ الأمر إلى منازعته والتعدي عليه ، ومما يؤسف له أن نظرة الطالب إلى المعلم في الغالب نظرة سيئة فيها استهزاء وتصيد للأخطاء والعيوب ، أما خارج المدرسة فالطالب لا يقيم وزنا للمعلم ألبتة ولا يظهر له أي احترام وتقدير ، وساهم في قلة احترام المعلم وهضم حقوقه عدم وجود نظام وقانون يحمي المعلم ويحفظ حقوقه.
(3) المناسبات الإجتماعية: فالصغار والأولاد لم يتربوا على تقدير الكبار في الولائم والمناسبات وتراهم يجلسون في مقدمة المجلس ويزاحمون الكبار ويتحدثون في كل موضوع ولو كان لا يناسبهم ويقاطعونهم في الحديث ولا يشاركون في خدمتهم وإذا قدم الطعام لم يحسنوا آداب الأكل وغير ذلك من مظاهر قلة الإحترام من ترك الإستئذان والسلام وتقديم الكبير ، ويلاحظ أن كثيرا من الأبناء لا يحسن استقبال الضيوف وإدارة الحوار معهم والسؤال عن أحوالهم وخدمتهم.
(4) الصحبة والصداقة: ومما يلاحظ أيضا أن كثيرا من الشباب والفتيات لا يحسن آداب الصحبة ولا يحترم حقوق الصداقة ويبني علاقاته في الغالب على مجرد المصالح المادية أو الشهرة ، وقل من الأصحاب من يحفظ الود والوفاء ويكافأ المعروف ناهيك عمن يستعمل الكذب والحسد ونكران الجميل ، ومن السلوكيات السيئة في هذا الباب أن يكون الصاحب ذا وجهين يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه ، وكثير من الأصحاب يحرص على صحبتك إذا أقبلت عليك الدنيا فإذا ذهبت عنك تنكرك وتناساك والله المستعان.
(5) العلاقة الزوجية: يلاحظ انتشار عادات سيئة وسلوكيات خاطئة في بعض البيوت بين الأزواج كأن يكون الرجل فظا غليظا مع زوجته كثير الشك والغيرة قاس في تصرفاته متسلط في قراراته لا يراعي رغبات المرأة واهتماماتها بخيلا مقترا على أهله سبابا بذيء اللسان داخل بيته فإن خرج ولقي الأصحاب هش وبش وتفرجت أسارير وجهه وبسط يده بالكرم ، وقد تكون المرأة سفيهة نكارة للمعروف كافرة للعشير تفسد المال وتذيع السر ولا تحفظ الود وتضيع الولد لا تحترم الزوج ولا تقيم له وزنا تهمل هيئتها ولباسها فإذا خرجت للنساء تزينت واعتنت بمظهرها ، وأسوأ خلقين في المرأة لا يحتملهما الرجل استكبار المرأة وسلاطة لسانها ، والحديث في هذا الباب يطول وذو شجون.
(6) بيئة العمل: ومما يلاحظ سوء خلق بعض العاملين فبعضهم يحمل الحقد على زميله لموقف شخصي تافه وينصب له العداوة بل ربما يحسده إذا رآه نجح في مشواره وتفوق ، ومن الأخلاقيات السيئة المنتشرة في هذا المجال تحديد التعامل مع الزملاء بناء على العنصريات والمحسوبيات وربما تجاوز الأمر إلى ظلم الزميل وعدم إعطائه حقه من الدرجة والمكافأة والحوافز وتقديم عليه من لا يساويه في القدرات والمؤهلات ، ولا يجوز ظلم أحد في مجال العمل ولو اختلف دينه أو مذهبه ، أما إذا ابتلي الإنسان في العمل بسفيه أحمق فينبغي له أن يداريه اتقاء لشره وهذا من حسن الخلق.
(7) الأسواق: بعض التجار هداهم الله لا يشكر الله فيما أنعم عليه من المال فتراه يكذب في وصف سلعته ويروجها بالأيمان الكاذبة ويغش المشتري ويسوم ويبيع على أخيه التاجر حسدا منه ولا يلتزم بشروط البيع من الضمان وغيره ويغلب عليه الجشع والبخل في تعامله مع الآخرين ، وقل من التجار من يراعي حدود الله في تجارته ويتحرى الإحسان إلى الخلق من إنظار المعسر وإقالة المشتري والنصح للناس والصدق في التعامل ، وقد كثر الغش في زماننا وقلت الأمانة ، ومن الأخلاقيات السيئة المخلة بالأدب دخول بعض النساء السوق وهن متبرجات في كامل زينتهن بلباس يفتن الشباب عن دينهم وهذا يدل على نقص الدين وقلة العقل والمرؤة وفي المقابل قيام بعض الشباب الضائع بسلوكيات منافية للشرع والأدب من تحرش بالنساء ومعاكستهن والخروج بزي الفساق من كشف للعورات وإطالة الشعر كالنساء والتشبه بالكفار وخروج عن المألوف وكل ذلك ناشئ عن فقد الحياء ، ومن الجرائم الأخلاقية في الأسواق والمطاعم نشر البلوتوثات الإباحية وفضائح الناس .
(8) الإعلام: بعض العاملين في مجال الإعلام يفتقدون أخلاقيات هذه المهنة الخطيرة من الشفافية والوضوح والصدق والأمانة في نقل الأخبار وتحقيق الأهداف السامية من توعية المتلقي ونشر الثقافة الإسلامية والعربية وتوضيح الحقائق وعرض الأحداث عرضا مطابقا للواقع دون تدخل فيه ، ومن المؤسف أن تكون الإثارة هدفا في العمل الإعلامي ولو كان المحتوى تافها ، ونتيجة لهذه التجاوزات صار المتلقي العربي فاقد الثقة والمصداقية في كثير من الإعلام العربي بل أصبح كثير من الناس يثق بالإعلام الغربي أكثر من إعلام بلده ، ومن السلوكيات الخاطئة في إعلامنا عدم إعطاء المشاهد الحرية في إبداء رأيه في حدود الشرع بل كثير من برامجنا مسيسة قبل تنفيذها ، ومن المنكرات العظيمة في بعض إعلامنا العربي التهجم على مقدساتنا وشعائرنا وعلمائنا .
(9) الإحتساب والدعوة إلى الله: ومما يلاحظ في هذا المجال عند بعض العاملين الشدة والغلظة في بعض التصرفات وعدم مراعاة آداب التعامل مع المخالف لا سيما في الفروع ، والتقصير الظاهر في جانب الأخلاق ، ومن السلوكيات السيئة الطعن في الولاة والغمز في العلماء ، وهناك خلق سيئ يبتلى به بعض الطلبة المبتدئين والمتوسطين وهو التعالم والشذوذ في الرأي ومخالفة المشهور عند العلماء, ومن السلوكيات المنكرة التعصب لطائفة أو شيخ أو مذهب على حساب الحق من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة , وهناك ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر في أيامنا هذه وهى دخول المال والمصالح الخاصة والمنافع في شؤون الدعوة وأصبح تحصيل المال والمبالغة في جمع الدنيا مطلب مهم لبعض الدعاة في العمل الخيري والدعوى, وهذا يؤذن بشر عظيم على الدعوة وأهلها , وجميع هذه الأخلاقيات والسلوكيات الخاطئة ناشئة عن ضعف في الأدب الشرعي والله المستعان.
(10) السياحة والتنزه: تنتشر سلوكيات وأخلاق سيئة عند بعض المسلمين هداهم الله في المتنزهات والبرامج السياحية تشتمل على إلحاق الضرر بالغير وإيذاءه والإطلاع على خصوصيته ومن ذلك مضايقة الشباب للأسر المسلمة والجلوس بقربها والنظر إليها ومن ذلك تصوير الغير بلا إذنهم ، ومن أخلاق السفهاء إزعاج السائحين برفع الصوت والموسيقى , ومن قلة الحياء رقص الشباب وقيامهم بحركات ساقطة في الأماكن العامة , ومن قلة الأدب قضاء الحاجة في المتنزهات والحدائق .
(11) وسائل الإتصالات : بعض الناس يسيء إستخدام وسائل الإتصال ويستعملها في أمور سيئة ومقاصد خبيثة تؤذى المسلمين وتنغص عيشهم وتفسد فيما بينهم كاستخدام الهاتف في معاكسة البنات وإيذاء البيوت العفيفة , واستخدام الإنترنت في إشاعة الخلاعة والإباحية , واستخدام الحفلات الشعرية والشريط في إثارة النعرات الجاهلية والحمية القبلية , ومن السلوكيات الخبيثة التي تدل على قلة الورع وانحراف الدين بث الفكر التكفيري والغلو والتحريض والفرقة من خلال برامج الإنترنت بأسماء مستعارة وشخصيات وهمية.
(12) الطب: بعض الأطباء هداهم الله لا يحترم مهنة الطب ولا يلتزم بأخلاقيات الطبيب المسلم فتراه متكبرا على غيره ينظر إلى المريض نظرة دونية فيها ازدراء ولا يعطى المريض الإهتمام والإحترام اللائق به ولا يعطيه فرصة كافية لبث شكواه ، بل ربما قصر في الكشوفات والتشخيص للمرض , ومن الأخطاء الأخلاقية الطبية التعجل في إصدار الرأي وتحديد المرض والوصية بالعملية الجراحية والإستهانة برأي غيره من الأطباء مما افقد الكثيرين الثقة في الطبيب المسلم في الوقت الذي يمتاز فيه كثير من أطباء الكفار بالدقة والأمانة واحترام المريض والتأني في إصدار الرأي الطبي ، ولا شك أن صدور تلكم السلوكيات الخاطئة كان سببها ضعف الجانب الأخلاقي لدى الطبيب المسلم.
أسباب الأزمة الأخلاقية :
• ضعف التدين في نفوس المسلمين .
• التصور الخاطئ لشرائع الإسلام و أحكامه وروحه.
• غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات .
• طغيان الجانب المادي و الإهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال .
• قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي.
• قلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات .
• عدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة .
ولا شك أن هذه الأمة كالغيث لا ينقطع خيرها وفيها خير كثير، ولا ينبغي لأحد أن يحكم على الأمة جمعاء بفقدها الخلق الحسن أو الفساد أو نحو ذلك من الأحكام الجائرة التي تشعر باليأس والإحباط والقنوط , وليس هذا سبيل المؤمن المتبصر في دينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ) رواه مسلم. وإنما المؤمن ينبه على الأخطاء ويعالجها ويحسن الظن بربه ولا يقطع الرجاء به , و يتفاءل في نظراته والمقصود هنا هو لفت النظر إلى هذه الظاهرة السيئة ( أزمة الأخلاق) والله من وراء القصد وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين .
بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
تعليق