ظلال الذنوب
حكاية احكيها لكل نفس فينا عن اخت لهم مسكينة كانت في ظلماتها حبيسة
مثلها مثل كثير من الانفس وشهدناها في كل زمان منذ قديم الزمان
ولم يتبدل الحال اذ انها مرتبطة بما حولها وتلك الدائرة التي باعتقادها انه لا مفر منها حتى توافيها المنية
امتد بصري الى ما شاء الله واخذ يجول في هذه الدنيا الى ان ارتطم بجدار عظيم كجلمود صخر قائما
ينظر اليه المرء فلا يستطيع ان يقدِّر له وصفا لان ما بني عليه ليس كأي جدار عادي
وكلما اقتربت منه يصبح اكثر غرابة وعظمة واعلى بنيانا
فحاولت العثور على باب فيه او ثغرة علها تسمح لي بالنفاذ الى الجهة الاخرى فما استطعت ابدا
وبين هنيهة واخرى كنت اسمع صوت صرخات تتسرب الي من خلف ذلك الجدار تصم الاذان وعويل لا ينقطع وضربات جبارة متتالية لا تهدأ ابدا
فقلت في نفسي ربما لو تحدثت بصوت مرتفع فربما يصل صداه الى الداخل
فاخذت انادي بأعلى صوتي : مرحبا ،هل من احد هناك ؟؟
فلم يرد علي احد الّا انه عم السكون من جهة الطرف الاخر
فأخذت اردد التحية والسؤال من جديد : مرحبا ،هل من احد هناك ؟!
فلم اسمع اي جواب .... وبعد برهة
انصت جيدا فأخذت اسمع صوت ضربات خفيفة على ذلك الجدار العظيم ... اوحت لي ان هذا رد على سؤالي
فناديت مجددا متسائلة : هل من احد هناك ؟
رد علي صوت مختنقا خافتا ،اعياه النحيب وبالكاد يسمع قائلا : اجل، هذه أنا
فاستبشرت خيرا وابتهجت وقلت : من انتِ؟ ولم انتِ حبيسة هنا ؟
قالت : اما من اكون فأنا هي النفس او الروح هذا ما اسموني اياه
قلت : ولم انتِ حبيسة ههنا ؟
قالت : انها حكاية لا اعرف لها بداية لكن الامر كما لو ان صاحبي الذي يحملني بين جوارحه ادخلني كهفا مظلما لم ارى بعدها اي نور
فكلما تعمقت فيه اكثر ازداد ظلام بظلام ولم اقوى بعدها على المضي قدما او التراجع واحتجزت في هذا المكان
قلت: يا له من امر عجيب ؟ ولم لا تستطيعين التراجع , اونسيت من اي مدخل دخلت ؟
قالت : بلى , لكن خلف ذاك الجدار الذي ترينه قضبان تشتعل نارا تخمد بصمتي وتشتعل بعويلي وكلما ازداد خوفي
قلت :واين صاحبك ؟ وكيف له ان يتركك هنا وفي مثل هذا المكان ؟
اجهشت في البكاء وتعالت صوت تنهيداتها وقالت : صاحبي ؟ّ! اي صاحب هذا ؟!!
لقد اختار حياته من دوني وسلخني عنه كما تسلخ الشاة .فهو الان ليس سوى جسد بلا روح يسير على غير هدى ولا يتبع الا كل شيطان مريد انسيا كان او جنيا
قلت : سبحان الله , ايوجد هناك من يحيا في هذه الدنيا بلا روحه ؟
واردفت متسائلة : وما سبب هذا الخصام والشتات ؟!
قالت :لا علم لي الا اني كنت اذكِّره بما فعل من الذنب والح واناجي واتوسل اليه ان يطهر نفسه من كل ذنب كان في عينه صغيرا ام كبيرا
قلت : لا يعقل ان يكون هذا سبب يتركك لاجله في هذا المكان !!وماذا كان رده ؟؟
سكنت قليلا واخذت تكفكف الدمعات وتحاول ان تسترق الهواء من ذلك المكان لتعينها على سرد روايتها
ثم قالت : كان يتجهم مستاء ,غاضبا متخبطا واليأس قد اهلكه واهلكني معه ويصرخ بي
ويقول : ويحك ايتها النفس كم انت جريئة وكم اصبحت جرأتك تصل الى حدود الوقاحة !!
اوتريدين مني ان اقابل ربي الذي خلقني واحسن خلقي ولم يقسط او يبخل علي بأيّ من نعمه وفضله ؟
اتريدين ان اقف بين يديه وبين يدي كل هذا الكم من الذنوب والمعاصي والآثام
بأي وجه القاه واي كتاب ذاك الذي احمله ؟!!
فقلت له : لكن الله غفور رحيم
قال : ليس لمن هم مثلي
فقلت :وكم من عبد اخطأ واسرف في ذلك وجاءتنا انباؤه في كتاب الله الكريم وكيف كان الجزاء وكيف كفَّرت حسناته خطاياه وغفر الله له وادخله الجنان
ان ذلك اليأس الذي بداخلك يجعلك تتمادى في ذنوبك وتملتئ بذلك صفحاتك فضائحا , فلم لا تنجو بي وبجسدك من عذاب مقيم وواقع لا محالة
هلم بنا نسير ونتبع درب المستغفرين لربهم درب التائبين طالما ان باب التوبة مفتوح ؟
صمتت قليلا وتابعت بصوت هادئ : ومذ تلك اللحظة لم يحاورني ولم التقي به في اي طريق فاتخذ غيري رفيق واصبح لابليس واتباعه كالرقيق
وكلما التصق بهم اكثر وزاد رصيده من الذنوب والمعاصي
ازدادت صلابة هذا الجدار اكثر واكثر
لقد ظلمني واشقاني في الدنيا وسيكون سبب هلاكي في الآخرة
فيا ليت يذكر ويشهد بأنه لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ويعلم الغاية من وجوده على وجه هذه الارض
ويعلم ان كل بني ادم معرضين للخطأ وييستوجب عليهم التوبة
فهذه الدنيا وما فيها ليست الا معركة فيها كر وفر وخدعة
فطوبى لمن نجى وانتصر وتوكل على ربه وطلب عفوه ورضاه في الدنيا والاخرة
واحسن بالله الظنون
الى هنا انتهى لقائي مع تلك النفس التي حبسها صاحبها بذنوبه واعياها وتركها دون رجعة
لكن دعونا نتوقف لحظة ونتأمل ونتساءل عن الكم الهائل من الانفس التي تقبع خلف هذا الجدار وكم منا ترك نفسه الطاهرة واتخذ غيرها صاحبا وازداد هلاك بهلاك
هناك في اعماق النفس وتاريخ كل انسان مجسمين عظيمين واحد يطلق عليه اعمال الخير والاخر اعمال الشر
والجهة التي ينظر بها الانسان الى هذين المجسمين تكون سبيله ام للنجاة او الهلاك
فان عكست نور بصرك نحو مجسم اعمال الشر تصبح له ظلال وكلما اسرفت في الحملقة بها اصبحت تلك الظلال كأشباح تحوم في فضاءك وتصبح مرعبة وتودي بك الى الهلاك
فظلال الذنوب ليست الا العصا التي يضرب بها الشيطان كل انسان يحمل قلب واهن ضعيف
فيبدأ باخافته وابعاده عن طريق الحق شيئا فشيئا باقناعه انه لا سبيل له للتوبة وان ذنبه عظيم الى ان يفقد ثقته بنفسه وييأس من روح الله ورحمته ويبقى على ذلك الا ان يصبح الجسد منه رفات
من الجميل والعبرة ان نعتبر من الذنوب ويكون ذكراها دافعا لمحوها وتلاشيها ولا يكون ذلك الا بالطاعات
فلنحذر جميعا ظلال الذنوب التي لا تدفعنا الا الى التمادي في المعاصي وخوض معركة الهروب اللانهائي
بقلمي .... شهــرزاد
تعليق